الرئيسية / أخبار / «أوبك» والسعودية وروسيا والآليات الجديدة في سوق النفط

«أوبك» والسعودية وروسيا والآليات الجديدة في سوق النفط

saudi russia

إبراهيم المهنا

في نيسان (أبريل) 1973، نشرت صحيفة «فورين آفيرز» مقالاً للسفير الأميركي جيمس أكينز بعنوان «أزمة النفط: الذئب هنا هذه المرة»، تنبأ فيه بارتفاع أسعار النفط بسبب الطلب المتزايد، ونقص الطاقة الإنتاجية والإمدادات. كما انتقد الشركات النفطية والخبراء العاملين في هذا المجال لعجزهم عن التنبؤ بالأزمة واستشرافها. وكان محقاً عندما قال إن الذئب قد أتى.

فقد تسبب الذئب الذي أتى في مطلع السبعينات من القرن الماضي في إحداث تحول كبير في ما يتعلق بإدارة السوق النفطية وخروجها من هيمنة شركات النفط السبع الكبرى (الأخوات السبع)، إلى هيمنة دول منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، مع مساهمة متقطعة من منتجين آخرين من خارج المنظمة لرفع مستوى فاعليته.

وكانت تصرفات المنتجين كثيراً ما تؤدي إلى نتائج ناجحة، ولكن تحقيق نتيجة إيجابية يحتاج إلى وقت يتراوح بين شهرين وسنتين. وإذا لم تتحقق النتيجة المرجوة في الوقت المناسب، فسينظر إليها بعض المحللين بالكثير من التشكيك والسلبية، لأن النتائج غير المرضية تكون غالباً، إما بسبب اتخاذ قرارات مبنية على معلومات سريعة التغير أو عدم توافر حسن النية في تعاون بعض المنتجين. ومع ذلك، فإن هناك بعض المقومات المهمة لتحقيق النجاحات المرجوة في هذا المجال.

أولاً، توافر القيادة الواعية والحكيمة من قبل دول نافذة وأفراد معتبرين يحظون بالقبول والاحترام في المنظومة النفطية، كتلك التي جسدتها أخيراً المملكة العربية السعودية في منظمة «أوبك»، وروسيا، الدولة غير المنضوية تحت لواء المنظمة.

ثانياً، عدم الاستسلام بسرعة، فأحياناً يتطلب الأمر تكرار المحاولة مرات ومرات وتجربة مفاهيم وأساليب مختلفة للوصول إلى نتائج.

ثالثاً، يجب أن يكون هناك استعداد صادق لتقديم بعض التضحيات في ما يتعلق بخفض الإنتاج، إذ يحتاج تنفيذ هذا الأمر إلى الأمانة وعلى القادة وكبار المنتجين أن يكونوا قدوة بالالتزام الصارم بأهدافهم الجديدة.

رابعاً، تعاون المنتجين من خارج المنظمة يجب ألا يؤخذ في الاعتبار إلا إذا كانت البلدان المشاركة قادرة على التنفيذ ومستعدة لذلك، فالوعود وحدها لا تكفي.

خامساً، على رغم أن القرارات استندت إلى ما كان متاحاً من معلومات وقت اتخاذ تلك القرارات، إلا أن المجموعة بأسرها تحتاج إلى أن تعي أن هذه المعلومات تتغير مع الوقت، وسيكون عليها بالتالي إبداء المرونة اللازمة في كل خطوة من خطوات العملية، نظراً إلى تفاصيل وتقديرات معينة تتغير من شهر إلى آخر. وعليه، يجب أن تكون المجموعة مستعدة لتعديل قراراتها طبقاً لذلك.

سادساً، هناك حاجة إلى إيجاد آلية واضحة وعادلة لتحديد المعايير التي يتم بموجبها الاتفاق على اتخاذ القرارات المطلوبة، على غرار الاتفاق القائم حالياً، والذي يستخدم مصادر ثانوية مستقلة كأساس لتقدير الإنتاج ويطلب من كل بلد خفض إنتاجه بنسب متساوية.

وفي هذا السياق، أود أن أتحدث عن التعاون بين روسيا ودول «أوبك»، بخاصة مع المملكة العربية السعودية لإعادة التوازن إلى السوق النفطية والذي أخذ منحى جديداً. ويجب أن أشير في هذا الصدد إلى أن هناك مناقشات بدأت عام 1983 للعمل معاً بين «أوبك» وروسيا بمباركة سعودية، وما زالت مستمرة.

فبعد عام واحد من انهيار أسواق النفط في 1986، قام وزير البترول والثروة المعدنية السعودي حينها، هشام ناظر، والذي استلم للتو منصبه، بزيارة موسكو لمناقشة المشاركة المحتملة لروسيا في أي تسوية إنتاجية. ثم تلت هذه الزيارة زيارات أخرى على كل المستويات، بخاصة أثناء الأزمات النفطية. ولكن روسيا ترددت في الدخول في أي اتفاقات من شأنها أن تؤدي إلى خفض إنتاجها، ولعل ذلك يعود بنسبة كبيرة إلى أسباب تتعلق بالطاقة المحلية وأسباب أخرى اقتصادية وسياسية.

ولكن، على عكس المناقشات السابقة المتعلقة بالتعاون بين روسيا والمنظمة، تضمن الاتفاق الأخير مع روسيا عوامل فارقة أدت إلى نجاحها. ولعل أولها وأهمها كان وجود حتمية مالية مشتركة بين جميع منتجي النفط، ومن بينهم روسيا، لرؤية أسعار النفط تنتعش.

كما أن ثمة فارق كبير آخر، وهو التدخل الاستباقي لوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، الذي سلك مسلكاً عملياً في العمل مع الشركات الاثنتي عشرة التي تمثل 90 في المئة من إنتاج البلد، إذ كان يجتمع مرتين في الشهر مع هذه الشركات للتأكد من أن جميعها يدعم الاتفاق. وكانت المشاركة القوية من قبل هذه الشركات، التي فرضها الرئيس بوتين على نحو فعال، عاملاً رئيساً في نجاحها.

أنشأت منظمة «أوبك» أخيراً، من خلال تحالفها مع منتجين رئيسيين من خارج المنظمة، نموذجاً جديداً لإدارة الأسواق، عبر لجنة وزارية مشتركة تتكون من وزراء من الجانبين للتأكد من تنفيذ الاتفاق كلياً. كما تم تشكيل فريق فني من الخبراء للمرة الأولى ليرصد عن كثب مستويات الإنتاج والتزام جميع المشاركين. وتجتمع هذه اللجنة الفنية- خلافاً لأي اتفاق سابق- كل شهر عقب صدور بيانات الإنتاج من مصادر ثانوية بدلاً من الانتظار إلى انتهاء أمد الاتفاق لإبلاغ الوزراء بالنتائج. وبدلاً من أن تعمل هذه اللجنة كجهة رقابية تنتقد الأداء الأدنى من المستوى المطلوب، أدى الانخراط المتواصل للمسؤولين من اللجان والدول الأعضاء إلى الخروج بمستوى غير مسبوق من التعاون بين الدول الأعضاء، وأثبت أنه أحد الأركان المحورية في اتفاق فيينا.

تمثل محاولة إعادة التوازن إلى السوق بالنسبة إلى منظمة «أوبك» والدول غير الأعضاء في المنظمة، دائماً سباقاً طويلاً لا يخلو من العقبات والمصاعب حتى نهاية طريقه، على عكس التجار الذين يريدون اخـــتزال السباق والوصــول إلـــى خــط النهــاية بأسرع ما يمكن.

يتم حالياً تقليص المخزون التجاري تدريجاً، وإن كان ذلك يتم بوتيرة أكثر بطئاً مما كان مأمولاً في البداية. ولكن الطلب العالمي يتزايد بأكثر من 1.5 مليون برميل يومياً هذا العام، ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو القوي إلى العام المقبل أيضاً. وبالتالي فإن نمو الطلب سيزيد على الإمدادات الجديدة التي من المتوقع أن تبلغ نحو 1.3 مليون برميل يومياً. وعندما يزيد الطلب على العرض، تصبح السوق ثابتة على قواعد راسخة.

إنني على يقين تام بأن مع استمرار انكماش المخزون التجاري من النفط، وفي ظل الترتيبات الحالية والتزام المنتجين الرئيسيين بها، واستعدادهم أيضاً لتعديل الاتفاق وتمديده، فإن أسعار النفط سترتفع تدريجاً، حتى أننا قد نصل إلى 60 دولاراً للبرميل بحلول نهاية هذا العام أو مطلع العام المقبل.

مستشار سعودي في شؤون الطاقة نائب رئيس مجلس الطاقة العالمي للشرق الأوسط وعضو مجلس إدارة معهد دول الخليج العربية في واشنطن. والنص من كلمة ألقاها في معهد دول الخليج العربية في واشنطن

المصدر: الحياة

عن Maeeshat Desk

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

إلى الأعلى